سورة سبأ - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} فيه أربع قراءات: قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر ويروى عن مجاهد، {ولقد صدق عليهم} بالتخفيف {إِبْلِيسُ} بالرفع {ظَنَّهُ} بالنصب، أي في ظنه. قال الزجاج: وهو على المصدر أي صدق عليهم ظنا ظنه إذ صدق في ظنه، فنصب على المصدر أو على الظرف.
وقال أبو علي: {ظَنَّهُ} نصب لأنه مفعول به، أي صدق الظن الذي ظنه إذ قال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16] وقال: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39]، ويجوز تعدية الصدق إلى المفعول به، ويقال: صدق الحديث، أي في الحديث. وقرأ ابن عباس ويحيى بن وثاب والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي: {صدق} بالتشديد {ظَنَّهُ} بالنصب بوقوع الفعل عليه. قال مجاهد: ظن ظنا فكان كما ظن فصدق ظنه. وقرأ جعفر بن محمد وأبو الهجهاج {صدق عليهم} بالتخفيف {إبليس} بالنصب {ظنه} بالرفع. قال أبو حاتم: لا وجه لهذه القراءة عندي، والله تعالى أعلم. وقد أجاز هذه القراءة الفراء وذكرها الزجاج وجعل الظن فاعل {صَدَّقَ} {إبليس} مفعول به، والمعنى: أن إبليس سول له ظنه فيهم شيئا فصدق ظنه، فكأنه قال: ولقد صدق عليهم ظن إبليس. و{علي} متعلقة ب {صَدَّقَ}، كما تقول: صدقت عليك فيما ظننته بك، ولا تتعلق بالظن لاستحالة تقدم شيء من الصلة على الموصول. والقراءة الرابعة: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} برفع إبليس والظن، مع التخفيف في {صَدَّقَ} على أن يكون ظنه بدلا من إبليس وهو بدل الاشتمال. ثم قيل: هذا في أهل سبأ، أي كفروا وغيروا وبدلوا بعد أن كانوا مسلمين إلا قوما منهم آمنوا برسلهم.
وقيل: هذا عام، أي صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله تعالى، قاله مجاهد.
وقال الحسن: لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة ومعه حواء وهبط إبليس قال إبليس: أما إذ أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف! فكان ذلك ظنا من إبليس، فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ}.
وقال ابن عباس: إن إبليس قال: خلقت من نار وخلق آدم من طين والنار تحرق كل شي {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الاسراء: 62] فصدق ظنه عليهم.
وقال زيد بن أسلم: إن إبليس قال يا رب أرأيت هؤلاء الذين كرمتهم وشرفتهم وفضلتهم علي لا تجد أكثرهم شاكرين، ظنا منه فصدق عليهم إبليس ظنه.
وقال الكلبي: إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه وإن أضلهم أطاعوه، فصدق ظنه. {فَاتَّبَعُوهُ} قال الحسن: ما ضربهم بسوط ولا بعصا وإنما ظن ظنا فكان كما ظن بوسوسته. {إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} نصب على الاستثناء، وفية قولان: أحدهما أنه يراد به بعض المؤمنين، لان كثيرا من المؤمنين من يذنب وينقاد لإبليس في بعض المعاصي، أي ما سلم من المؤمنين أيضا إلا فريق وهو المعنى بقوله تعالى: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ} [الحجر: 42]. فأما ابن عباس فعنه أنه قال: هم المؤمنون كلهم، ف {مِنَ} على هذا للتبيين لا للتبعيض، فإن قيل: كيف علم إبليس صدق ظنه وهو لا يعلم الغيب؟ قيل له: لما نفذ له في آدم ما نفذ غلب على ظنه أنه ينفذ له مثل ذلك في ذريته، وقد وقع له تحقيق ما ظن. وجواب آخر وهو ما أجيب من قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الاسراء: 64] فأعطي القوة والاستطاعة، فظن أنه يملكهم كلهم بذلك، فلما رأى أنه تاب على آدم وأنه سيكون له نسل يتبعونه إلى الجنة وقال: {إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ} [الحجر: 42] علم أن له تبعا ولآدم تبعا، فظن أن تبعه أكثر من تبع آدم، لما وضع في يديه من سلطان الشهوات، ووضعت الشهوات في أجواف الآدميين، فخرج على ما ظن حيث نفخ فيهم وزين في أعينهم تلك الشهوات، ومدهم إليها بالأماني والخدائع، فصدق عليهم الظن الذي ظنه، والله أعلم.


{وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)}
قوله تعالى: {وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ} أي لم يقهرهم إبليس على الكفر، وإنما كان منه الدعاء والتزيين. والسلطان: القوة. وقيل الحجة، أي لم تكن له حجة يستتبعهم بها، وإنما اتبعوه بشهوة وتقليد وهوى نفس، لا عن حجة ودليل. {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ} يريد علم الشهادة الذي يقع به الثواب والعقاب، فأما الغيب فقد علمه تبارك وتعالى. ومذهب الفراء أن يكون المعنى: إلا لنعلم ذلك عندكم، كما قال: {أَيْنَ شُرَكائِيَ} [النحل: 27]، على قولكم وعندكم، وليس قوله: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} جواب {وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ} في ظاهره إنما هو محمول على المعنى، أي وما جعلنا له سلطانا إلا لنعلم، فالاستثناء منقطع، أي لا سلطان له عليهم ولكنا ابتليناهم بوسوسته لنعلم، ف {إِلَّا} بمعنى لكن. وقيل هو متصل، أي ما كان له عليهم من سلطان، غير أنا سلطناه عليهم ليتم الابتلاء.
وقيل: {كانَ} زائدة، أي وما له عليهم من سلطان، كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] أي أنتم خير أمة.
وقيل: لما اتصل طرف منه بقصة سبأ قال: وما كان لإبليس على أولئك الكفار من سلطان.
وقيل: وما كان له في قضائنا السابق سلطان عليهم.
وقيل: {إِلَّا لِنَعْلَمَ} إلا لنظهر، وهو كما تقول: النار تحرق الحطب، فيقول آخر لا بل الحطب يحرق النار، فيقول الأول تعال حتى نجرب النار والحطب لنعلم أيهما يحرق صاحبه، أي لنظهر ذلك وإن كان معلوما لهم ذلك.
وقيل: إلا لتعلموا أنتم.
وقيل: أي ليعلم أولياؤنا والملائكة، كقوله: {إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] أي يحاربون أولياء الله ورسوله.
وقيل: أي ليميز، كقوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] وقد مضى هذا المعنى في البقرة وغيرها. وقرأ الزهري {إلا ليعلم} على ما لم يسم فاعله. {وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي أنه عالم بكل شي.
وقيل: يحفظ كل شيء على العبد حتى يجازيه عليه.


{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)}
قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي هذا الذي مضى ذكره من أمر داود وسليمان وقصة سبأ من آثار قدرتي، فقل يا محمد لهؤلاء المشركين هل عند شركائكم قدرة على شيء من ذلك. وهذا خطاب توبيخ، وفية إضمار: أي ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لكم من دون الله لتنفعكم أو لتدفع عنكم ما قضاه الله تبارك وتعالى عليكم، فإنهم لا يملكون ذلك، و{لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} أي ما لله من هؤلاء من معين على خلق شي، بل الله المنفرد بالإيجاد، فهو الذي يعبد، وعبادة غيره محال.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10